فرصة سانحة للدعاة

 عبد الله المسلم


يعتني أهل التجارة بمواسم تدر عليهم مـــا لا تدره غيرها؛ ولذا تشكل هذه المواسم مصدراً مهماً من مصادر التجارة، بل إن كثيراً من تجار المسلمين يحصلون في موسم الحج ورمضان أضعاف ما يحصلونه في غيرهما، وبوّب البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه (باب:التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية).
وإذا كــــــان التاجر قد يضحي بفرص كثيرة حاشا فرص المواسم؛ 
فالدعاة إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ أوْلـى وأحـرى بأن يحرصوا على استثمار المواسم واغتنامها في نشر دعوتهم، وألا يفرطوا فيها؛ وها هـو الداعية الأول -صلى الله عليه وسلم- يستثمر فرصة اجتماع الناس في الحج ليعرض عليهم دعوته، فعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرض نفسه على الناس في الموسم فيقول: (ألا رجل يحملني إلى قومه؛ فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي)(1).
وعن ربيعة بن عـبـــاد الديلي قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطوف على الناس بمنى في منازلهـــم قـبـل أن يهاجر إلى المدينة يقول: (يا أيها الناس! إن الله ـ عز وجل ـ يأمركم أن تعبدوه ولا تـشـركــوا به شيئاً) قال: ووراءه رجل يقول: هذا يأمركم أن تَدَعوا دين آبائكم، فسألت: مَنْ هذا الرجل؟ فقيل: هذا أبو لهب
(2).
وثمة جوانب ومجالات عدة تفتح أمام الدعاة في رمضان لا تفتح أمامهم في غيره؛فالقلوب تصبح أقل قساوة وأكثر قرباً إلى الله ـ تـبـــــارك وتعالى ـ منها في غير رمضان، ولذا نرى الرجل الفاسق المعرض، المسارع في الكبائر تتغير أحواله في رمضان.
وفي رمضان يكثر مرتادو المساجد أكثر مما في غيره.
وفي رمضان يصبح الناس أكثر إصغاءاً وإقبالاً على الموعظة منهم في غيره.
وفي رمضان يكثر توافد الناس على بيت الله الحــرام لأداء مناسك العمرة، مما يتيح فرصة للخير لأهل البلد الحرام والوافدين عليه، بل يـتـيـح فـرصــة لكافة الدعاة في استثمار هذا الجانب ومرافقة من يريدون دعوته لأداء العمرة؛ فيتيح السفر لهم ما لا يتيحه غيره.
وفي رمضان يقبل الناس على إخراج الزكوات والصدقات فيكون ذلك فرصة الدعاة في حث الناس وتوجيه الأموال للمصارف المجدية المفيدة، وتعد مـشـاريـــع تفطير الصوّام ميداناً للإحسان إلى الناس ورعايتهم، ويمكن أن يضم لذلك برامج دعوية وتوجيهية.
ويتيح قدوم المرأة للمسجد في رمضان فرصة لخطـاب شريحة واسعة لم يكن يتيسر خطابها قبل ذلك؛ فثمة فئة واسعة من النساء لا تأتي إلى المسجد إلا في صلاة التراويح في رمضان.

إن كثيراً من المسلمين يعتنون بالصيام أكـثــر من غيره ولا يفرطون فـيـه، بل إنك ترى فئة كبيرة منهم يصوم وإن كان لا يشهد الصلاة مع المسلمين. والصيام يكشف عن جوانب مهمة في النفوس من القدرة على الامتثال، والقدرة على ضبط النفس والسيطرة على شهواتها. وكثرة أسئلة المسلمين عن أحكام الصيام وعنايتهم بها يكشف جانـبـاً من الخير.
ألا يمكن أن يستثمر ذلك كله في خطــاب المسلمين وإقناعهم بأن ثمة جـوانـــــب كامنة في نفوسهم ينبغي أن ينطلقوا منها إلى تصحيح واقعهم؟

إن مثل هذه الفرص ينبغي أن تدعونا إلى توسيع دائرة الخطاب وموضوعه؛ فلا يقتصر على مجرد حث الناس على استـثـمار رمضان، وتلاوة القرآن، وصلاة التراويح فقط، فمع أهمية هذه الأمــور وضرورة الحديث عـنهـا، إلا أن هناك ما لا يقل عنها أهمية ووجوباً في حياة الـمـسـلمين كالتوبة، وإصلاح القـلــوب، واجتناب الموبقات، وأداء ما أوجب الله ـ تبارك وتعالى ـ وغير ذلك.

=========
الهوامش:
(1) رواه الترمذي، ح/2925، وابن ماجه، ح/201، وأبو داود (4734).
(2) رواه أحمد، ح/15594.


المصدر : مجلة البيان-صيدالفوائد
 

 

نشر في المفكرة الدعوية

www.dawahmemo.com